الأوروبية | رفاعي عنكوش
عقد التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين مؤتمره السنوي التاسع يومي 3 و4 مايو 2025 في العاصمة البلجيكية بروكسل، بمشاركة واسعة من ممثلين عن مؤسسات حقوقية وبرلمانية ومدنية من أكثر من 18 دولة أوروبية وعالمية، وذلك تحت شعار “تعزيز التضامن الدولي في ظل الإبادة الجماعية”.
وافتُتح المؤتمر بوقفة الحضور دقيقة صمت إجلالًا لأرواح الشهداء الفلسطينيين، و تعبيرًا عن التضامن مع تضحياتهم، تلا ذلك عزف النشيد الوطني الفلسطيني، حيث وقف المشاركون احترامًا وتقديرًا لنضال الشعب الفلسطيني، للتأكيد على أهمية الوحدة والتضامن في مواجهة التحديات التي يواجهها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
حيث بدا المؤتمر بكلمة الدكتور خالد حمد، المنسق العام للتحالف الأوروبي، والذي دعا إلى توسيع قاعدة العمل المؤسسي والتحرك البرلماني والشعبي الأوروبي نصرة لقضية الأسرى، مؤكدًا أن “التحالف ليس مجرد فعالية سنوية، بل منظومة نضالية مستمرة”.
رافقها كلمة رسمية ألقتها الدكتورة أمل جادو الشكعة، سفيرة دولة فلسطين لدى الاتحاد الأوروبي وبلجيكا، أكدت فيها أن “قضية الأسرى الفلسطينيين هي جرح نازف في ضمير الإنسانية”، ووصفت ما يتعرض له المعتقلون الفلسطينيون بأنه “جريمة ممنهجة تستوجب المساءلة الدولية”. وشكرت التحالف الأوروبي على جهوده المستمرة في نقل صوت الأسرى إلى الرأي العام الأوروبي والدولي.
و شارك في المؤتمر نواب برلمانيون من ألمانيا، بلجيكا، فرنسا، إيرلندا، السويد ودول أخرى، إلى جانب ممثلين عن منظمات دولية، ومؤسسات فلسطينية تُعنى بحقوق الإنسان وشؤون الأسرى، وقدم المشاركون مداخلات متنوعة تناولت السبل القانونية والدبلوماسية الممكنة لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها المستمرة لحقوق الأسرى، ولا سيما الأطفال والنساء والمرضى منهم.
ومن المشاركين عبر الوفد الفلسطيني في المؤتمر، السفيرة أمل جادو، سفيرة فلسطين لدى بلجيكا ولوكسمبورغ والاتحاد الأوروبي، إلى جانب وفد ضم رئيس نادي الأسير عبد الله الزغاري، والمدير العام للنادي أمجد النجار، ورئيس الهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى أمين شومان، وعضو الهيئة العليا أحمد بنهج، بالإضافة إلى ممثلين عن مؤسسات الأسرى الفلسطينية.
واستعرض أمجد النجار، مدير عام نادي الأسير الفلسطيني، في ورقة عمل شاملة، الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون في سجون ومعسكرات الاحتلال الإسرائيلي، منذ بدء الحرب على قطاع غزة في أكتوبر 2023 وحتى أبريل 2025.
وأشار النجار إلى أن آلاف المعتقلين يُحتجزون في ظروف قاسية وسط منع زيارات المحامين، وغياب كامل للمعلومات عن مصيرهم، ما يشكل جريمة “إخفاء قسري” مكتملة الأركان. كما وثّق شهادات صادمة عن التعذيب الجسدي والنفسي، والقتل المتعمد، والاغتصاب، والتجويع، والإهمال الطبي المتعمد، مشيرًا إلى أن عدد الشهداء داخل السجون منذ أكتوبر 2023 بلغ أكثر من 65 أسيرًا، بالإضافة إلى احتجاز جثامين 74 شهيدًا.
و شارك في المؤتمر عدد من البرلمانيين الأوروبيين من دول مثل بلجيكا، فرنسا، إسبانيا، إيرلندا، والنرويج، حيث قدموا مداخلات حول أهمية توسيع حملات المقاطعة الدولية والأوروبية لإسرائيل لإجبارها على الالتزام بالمواثيق والقوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وحقوق الأسرى، بالإضافة إلى حقوقيون ومحامون ومتخصصون في القانون الدولي وممثلي جمعيات تضامنية من عدة دول أوروبية، مؤكدين على أهمية نقل ملف الأسرى إلى الأجندة العالمية وتحضير مواد توثيقية عن التعذيب وشهادات لأسرى.
وأثرت هذه الكلمات والمداخلات في الحضور، وسلطت الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون، مما عزز الدعوات لتدويل قضيتهم ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
وأكد المشاركون في المؤتمر أن الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مطالبين المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، والضغط الجاد للإفراج عن جميع المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
كما شددوا على ضرورة تفعيل الملاحقة القانونية لمجرمي الحرب الذين يمارسون حربًا انتقامية بحق الأسرى، وتعزيز التضامن الدولي لتسليط الضوء على معاناة الأسرى الفلسطينيين والانتهاكات الممنهجة التي يتعرضون لها.
و سلط المشاركون الضوء على الإحصائيات الحديثة التي تشير إلى وجود أكثر من 6,000 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، بينهم نحو 250 طفلًا، و47 امرأة، إضافة إلى أكثر من 500 معتقل إداري دون محاكمة، وأكثر من 700 أسير مريض، منهم 34 حالة مصنفة بالخطيرة.
و كان من أبرز فقرات المؤتمر عرض شهادات حية لأسرى محررين، ونساء وأطفال ورجال خاضوا تجربة الاعتقال، حيث تحدثوا عن الإهانات الجسدية والنفسية، الحرمان من العلاج، العزل الانفرادي، وأشكال مختلفة من التعذيب الممنهج.
وفي لفتة وفاء، كرّم المؤتمر اسم المحامية الراحلة فليتسيا لانغر، الرئيسة الفخرية للتحالف، تقديرًا لمسيرتها الطويلة في الدفاع عن الأسرى الفلسطينيين. كما تم تكريم الدكتور خالد حمد، المنسق العام للتحالف الأوروبي، لدوره البارز في التنسيق والعمل على مدار سنوات لدعم قضية الأسرى على الصعيد الأوروبي والدولي.
واختتم المؤتمر التاسع للتحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين أعماله في العاصمة البلجيكية بروكسل بإصدار سلسلة من التوصيات المهمة التي تهدف إلى تدويل قضية الأسرى الفلسطينيين. ودعا المشاركون إلى تحريك الملف في المحافل الدولية، وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية، والضغط السياسي والإعلامي على الحكومات الأوروبية لمساءلة إسرائيل عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان، كما أوصوا بإطلاق حملات دولية لفضح الاعتقال الإداري والتعذيب والإهمال الطبي داخل السجون، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع البرلمانات الأوروبية لدفع تشريعات تحظر التعاون مع المؤسسات الإسرائيلية المتورطة في الانتهاكات، مع التركيز الخاص على أوضاع الأطفال الأسرى وإطلاق حملات توعوية وتربوية لضمان حمايتهم.
كما شهدت جلسة الختام نقاش مفتوح بعمل و تطوير وتوسيع التحالف، مع التأكيد على أهمية بناء جسور تواصل فعالة مع وسائل الإعلام الغربية والمؤسسات الحقوقية العالمية، بهدف خلق رأي عام متضامن مع نضال الأسرى الفلسطينيين. ويُذكر أن التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين تأسس عام 2014، ويضم ناشطين ومؤسسات من الشتات الفلسطيني والجاليات العربية والإسلامية في أوروبا، ويُنظم سنويًا حملات دعم وتوعية تهدف إلى إبراز قضايا الأسرى في السجون الإسرائيلية على الصعيد الدولي.