في خضم التوترات التجارية المتصاعدة، وصف الخبير الاقتصادي البلجيكي برتراند كانديلون من جامعة UCLouvain الاتفاق الأخير بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأنه “اتفاق سيء”، معتبراً أنه لا يمثل مجرد صفقة تجارية غير متوازنة، بل بداية لتحول جذري في بنية النظام الاقتصادي العالمي.
وبحسب كانديلون، فإن هذا الاتفاق، الذي تمّ تحت ضغط أمريكي، يُجبر الدول الأوروبية على تقديم تنازلات جمركية كبيرة، ما يُهدد بفقدان مزايا تنافسية لطالما تمتعت بها الشركات الأوروبية، خصوصاً في ظل فائض تجاري سابق كان لصالح القارة العجوز بنحو 250 مليار يورو سنوياً. بلجيكا وحدها كانت تصدّر للولايات المتحدة بما يفوق 16 مليار يورو، وهو رقم قد يتآكل بفعل الرسوم الجديدة.
ويتجاوز القلق حدود أوروبا ليطال شركاء تجاريين آخرين مثل البرازيل، المملكة المتحدة وسويسرا، الذين قد يجدون أنفسهم في وضع غير متكافئ أمام السوق الأمريكية. ويؤكد كانديلون أن هذا النهج يُنذر بنهاية نموذج التعددية التجارية التي أرستها منظمة التجارة العالمية بعد الحرب العالمية الثانية، لصالح “ديبلوماسية اقتصادية ثنائية” تُشبه، بحسب تعبيره، لعبة بوكر بين الدول، حيث يفرض الأقوى قواعد اللعبة.
ويلفت الخبير إلى أن الولايات المتحدة، عبر هذه السياسة، تُضعف الثقة مع شركائها الأوروبيين وتدفع بشكل غير مباشر إلى تعزيز محاور اقتصادية بديلة، قد يكون أبرزها الصين، المستفيدة من الانغلاق الغربي والاستثمار المكثف في القطاعات الإنتاجية.
كما يحذّر من التأثير غير المتكافئ لهذه السياسات على النسيج الاقتصادي الأوروبي، موضحاً أن الشركات الصغيرة والمتوسطة ستكون أولى الضحايا، في حين تستطيع الشركات الكبرى، خاصة الأمريكية منها (MAGAs)، امتصاص الصدمة بفضل هوامش ربح مرتفعة أو نقل الإنتاج نحو السوق الأمريكية، وهو خيار مكلف ويحتاج سنوات.
ويختتم كانديلون تحليله بالتأكيد على أن هذه التحولات قد لا تكون عابرة، بل جزء من توجه أمريكي استراتيجي طويل الأمد، سواء بقي دونالد ترامب في الحكم أو غادر، مما يفرض على أوروبا مراجعة خياراتها الاقتصادية ومواقعها داخل النظام العالمي الجديد الذي يتشكّل أمام أعينها.