ضعف أوروبي و تقدم خليجي في الشرق الأوسط

0
88
صورة تعبيرية - الأوروبية
صورة تعبيرية - الأوروبية

الأوروبية | مقالات | رفاعي عنكوش

في تحول استراتيجي لافت، بات الشرق الأوسط يلعب دورًا محوريًا في المشهد الدبلوماسي العالمي، منتقلاً من صورة نمطية لطالما اقترنت بالنزاعات إلى مركز فاعل في جهود الوساطة وحل الأزمات الدولية، وهي مكانة طالما ارتبطت بعواصم أوروبية كجنيف وفيينا وباريس.

هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج رؤية طموحة ومنافسة  تقودها دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات وقطر وسلطنة عمان، إذ تسعى هذه الدول إلى ممارسة استقلالية استراتيجية متزايدة، بعيدًا عن الاصطفافات التقليدية، عبر أداء دور الوسيط في صراعات دولية معقدة.

وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أعلن في عام 2018 رؤيته الجريئة، قائلاً: “أعتقد أن أوروبا الجديدة هي الشرق الأوسط”، وهي عبارة بدأت تتجسد على أرض الواقع، ليس فقط من خلال التنمية الاقتصادية، بل عبر الحراك السياسي والدبلوماسي النشط للمنطقة.

من أبرز الأمثلة على صعود الدور الدبلوماسي العربي، نجاح الإمارات في مارس 2025 في الوساطة لإتمام تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا، شمل 175 أسيرًا من كل جانب. وقد أشاد كل من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بدور الإمارات “المحوري” في العملية، التي رفعت عدد الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم بوساطة إماراتية إلى أكثر من 3200 شخص.

وفي السياق ذاته، استضافت السعودية مفاوضات حاسمة بين الولايات المتحدة وروسيا في الرياض، هدفت إلى الدفع نحو وقف إطلاق نار في أوكرانيا. المفاوضات جاءت في أعقاب اجتماعات بين وفود أمريكية وأوكرانية، وأشار المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف إلى إمكانية أن تمهد هذه المحادثات لوقف شامل للأعمال القتالية.

أما سلطنة عمان، فقد برزت كطرف محايد في محادثات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، عُقدت في مسقط في أبريل 2025 لمناقشة الملف النووي الإيراني. الدور العماني في تسهيل هذا النوع من المفاوضات الحساسة يعكس تنامي الثقة الدولية في دول الخليج كمضيفين لمباحثات مصيرية.

وقد أثبتت قطر أنها لاعب دبلوماسي لا غنى عنه في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، إذ تواصل لعب دور “الوسيط الجريء” القادر على فتح قنوات اتصال مغلقة، وتمهيد الطرق لحلول سلمية في نزاعات طال أمدها.

فقد استضافت الدوحة محادثات غير مباشرة بين الجمهوريةالاسلامية الايرانية و الولايات المتحدة الامريكية وشاركت في نقل رسائل دبلوماسية تهدف لخفض التصعيد النووي.

كما لعبت دورًا محوريًا في التهدئة بين إسرائيل وحركة حماس، لا سيما في قطاع غزة، حيث تقدم مساعدات إنسانية وإغاثية بإشراف أممي. وعبر قنواتها مع الطرفين، وساهمت الدوحة في وقف إطلاق النار بعد جولات حرب متكررة.

واستضافت الدوحة مكتب طالبان السياسي منذ عام 2013، حيث كانت الوسيط الرئيسي في المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة التي أدت إلى توقيع اتفاق الدوحة في 2020، ممهداً لخروج القوات الأمريكية من أفغانستان. وقد نالت قطر إشادة دولية لدورها الحاسم في هذا الاتفاق التاريخي.

لا يخفى أن هذه النقلة النوعية في الدور الدبلوماسي العربي ترتبط أيضًا بعلاقات قوية ومتزنة مع القوى الكبرى، بما فيها أوروبا. فبعد عقود من تراجع الدور العربي في المسرح الدولي، تتجه الأنظار الآن نحو الخليج كمركز ثقل جديد، يعيد التوازن إلى مشهد عالمي طالما احتكرته العواصم الأوروبية.

وبينما كانت أوروبا لسنوات طويلة مرادفًا للدبلوماسية والتوسط بين الأطراف المتنازعة، فإن الشرق الأوسط اليوم يتقدم بثقة ليحجز له مكانًا بين الكبار، في مشهد يعكس إعادة ترتيب موازين القوى العالمية.

رغم أن تجسيد “الشرق الأوسط الجديد” لا يزال في طور التشكل، فإن معالمه تبرز بوضوح على الساحة الدولية، ويبدو أن هذا المشروع الطموح لن يكون مجرد رؤية ، بل واقعًا يتشكل بدبلوماسية عربية تفرض حضورها بكل الوسائل.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا