الإغتراب السياسي للجالية العربية في أوروبا

0
629
الأوروبيةalorobiya| قضايا |بابوزيد لبيهي
الأوروبيةalorobiya| قضايا |بابوزيد لبيهي

 

الأوروبيةalorobiya| قضايا |بابوزيد لبيهي

تشكل الجالية العربية في أوروبا جزءًا مهمًا من النسيج الاجتماعي والثقافي للقارة، إلا أن العديد من أفرادها يعانون من ظاهرة “الاغتراب السياسي”، وهي شعور بالانفصال أو العزلة عن المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية سواء في دولهم الأصلية أو في المجتمعات الأوروبية المضيفة, وهي ليست مجرد ظاهرة سياسية او اجتماعية بل له أبعاد نفسية عميقة تؤثر على الفرد والجماعة، وهي من المنظور سيكولوجي مرتبطة بمشاعر ” الإنفصال ، والعجز ، والضياع الهوياتي” خاصة في سياق الجالية العربية المهاجرة التي تعيش ثقافتين : ثقافتها الأصلية وثقافة المجتمع الأوروبي المضيف.

 

 

ان هذه الظاهرة تطرح تساؤلات حول أسبابها وتداعياتها، وكيفية تعزيز الاندماج السياسي للجالية العربية في أوروبا, حيث تواجه الجالية العربية في أوروبا عقبات قانونية واجتماعية تحول دون مشاركتها السياسية الفاعلة، من صعوبة الحصول على الجنسية في بعض الدول الأوروبية، مما يحرم الكثيرين من حق التصويت أو الترشح, وظهورالعوائق اللغوية و الثقافية والتي تحد من فهم النظام السياسي والمشاركة فيه, كما تتسم الجالية العربية في أوروبا بتنوعها في الانتماءات السياسية والطائفية، والتي تؤدي إلى تشتت الأولويات بين قضايا الوطن الأم (كالقضية الفلسطينية أو الأزمات في سوريا وليبيا و الصحراء الغربية والسودان وغيرها…) وقضايا الاندماج في أوروبا.  بالاضافة لضعف التمثيل الموحد حيث تفتقد الجالية إلى مؤسسات قوية تعبر عن مصالحها بشكل جماعي.

 

 

وتلعب الحكومات العربية دورًا في تعزيز الاغتراب السياسي عبر تقييد المشاركة السياسية للمغتربين،مثل صعوبة التصويت في الانتخابات الوطنية أو عدم الاعتراف بحقوق المغتربين وفرض الولاء مقابل الحصول على حق الممارسة السياسية كما استخدام الخطاب الطائفي أو الأيديولوجي، يزيد الانقسامات داخل الجالية, فكثير من العرب في أوروبا يشعرون بأن المشاركة السياسية لا تُترجم إلى تغيير حقيقي على أرض الواقع، سواء في أوروبا أو في أوطانهم الأصلية، مما يدفعهم إلى “العزوف السياسي” أو اللجوء إلى العمل المجتمعي بدلاً من السياسة الرسمية.

 

 

أن الشعور بالعجز يعطي إنطباع للفرد بأنه غير قادر على التأثير في القرارات السياسية سوء في بلده الأصلي أو في المجتمع المضيف ، ويؤدي هذا الى “الإحباط وفقدان الدفاعية” للمشاركة السياسية ، حيث يرى الفرد ان جهوده لن تحدث فرقا حيث تظهر بعض الدراسات ان ” اللاجيئن والمهاجرين” أكثر عرضة لهذا الشعور بسبب عوائق اللغة والتمييز.

ويرافق هذا الشعور “صراع الهوية” بين الإنتماء للوطن الأم والاندماج في المجتمع الجديد عندما لا يشعر الفرد بأنه مقبول كليا في أي من المجتمعين ينشأ ما يسميه البعض بالاغتراب الوجودي الذي يجعله يشعر بعدم الإنتماء لأي نظام سياسي ، ويعزز هذا الشعور “التهميش المزدوج” من حكومات بلد المنشأ ومن النخب في بلدان الإستقبال.

 

 

ان اللامعيارية ومفهومها ( الذي طوره عالم الاجتماع إميل دوركهايم) والتي تؤدي فقدان الثقة في المؤسسات السياسية والقوانين. كما يراها المغترب العربي تجاه السياسية بانها فاسدة سواء في بلده الأصلي او في أوروبا ، مما يدفعه الى العزوف عن المشاركة ، يتعاظم هذا الشعور عند الذين عاشوا تجارب القمع السياسي في اوطانهم قبل الهجرة.

ومن اصعب التحديات هو التمييز العنصري او الاختلاف الثقافي المسبب الرئيسي لانسحاب الفرد من التفاعل السياسي خوفا من الرفض، فمثلا بعض العرب في أوروبا يلجأون الى العزلة الطوعية معتبرين السياسية شأن غربي لا يعنيهم والتي تصل بهم الى فقدان الثقة , فقد اظهرت بعض الدراسات ان المهاجرين العرب خاصة من دول عانت من الإحتلال او الاستبداد ( سوريا ،العراق ،فلسطين..) يعانون شك عميق في كل الأنظمة السياسية ، هذا الشك يجعلهم غير راغبين في الانخراط حتى في النماذج الدمقراطية الأوربية خوفا من تكرار الخيبة.

 

 

ومع وجود ضعف التأثير في صنع القرار، والذي يحد من قدرة الجالية على الدفاع عن حقوقها أو قضاياها, يزداد الشعور بالانتماء الهامشي، مما قد يدفع بعض الشباب إلى التطرف أو العزلة الاجتماعية او العزوف السياسي
فقدان فرص التغيير الإيجابي، سواء في المجتمعات الأوروبية أو في دعم قضايا التنمية والديمقراطية في العالم العربي.

وربما يلجأ الفرد الى استخدام ادوات كرد فعل على المشاركة او العزوف عنها من الانكفاء على الذات و التركيز على الحياة العملية والعائلية بدلا من السياسية, والتطرف او التشدد و البحث عن هوية راديكالية دينية او قومية او إيديولوجية كتعويض عن الاغتراب, وظهور الإندماج الزائف مثل تبني خطاب سياسي أوروبي دون اقتناع فقط من اجل البحث عن القبول الإجتماعي, كما الشعور و الحنين الى الماضي وتذكر الوطن الأم كمكان مثالي هربا من واقع الاغتراب.

 

 

ان التعزيز و التمكين النفسي عبر برامج التوعية والتي تشرح حقوق المهاجرين السياسية من بناء هوية هجينة توفق بين الإنتماء العربي و الأوروبي دون تصادم, كما خلق مساحات حوار أمنة و مشاركة التجارب السياسية السلبية ومعالجتها إجتماعيا , وتعزيز التجنيس وحقوق المقيمين لتسهيل المشاركة السياسية, وبناء مؤسسات تمثيلية قوية للجالية العربية تعمل على توحيد الصوت السياسي, والتوعية السياسية والقانونية لشرح آليات التأثير في السياسات الأوروبيةأهم السبل و الوسائل في معالجة المصاعب التي يواجهها الفرد المغترب في مختلف المجالات.

 

 

ان الإغتراب السياسي ليس حتمية بل هو نتاج افرزه الواقع بتدخل سياسي معين ، وهو على العموم ظاهرة باتت تستدعي تدخل جذري يعيد تعريف السياسة كفضاء للتضامن الإنساني لا كساحة للهيمنة من طرف جهة معينة ،
و عليه فإن الجالية العربية في أوروبا تعكس تحديات معقدة تتعلق بالهوية والانتماء والحقوق. إلا أن تجاوز هذه الظاهرة ممكن عبر سياسات اندماج فعّالة من الجانبين الأوروبي والعربي، مما سيمكن الجالية من لعب دور إيجابي في مجتمعاتها الجديدة وفي قضايا أوطانها الأصلية.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا